هي فوضى ؟ ... عندما تعالج الفوضي بفوضى اكبر

اول فيلم شاهدته ليوسف شاهين في السينما كان فيلم المصير كنت وقتها شابا صغير لم يلبغ السابعة عشر بعد اعترف انني انبهرت بما رأيته حتي انني ظننت للوهلة الأولي انني اشاهد فيلم
اجنبي بسبب جمال الديكور وتحريك الممثلين واختيار زوايا الكاميرا بل وطريقة التصوير والأخراج نفسها حتي انني قلت لنفسي ان جائزة كان اقل ما يمكن ان يأخذه
مخرج عبقري مثل شاهين
ومنذ فترة طويلة وانا اسمع ان شاهين يحضر لفيلم يناقش فيه بلطجة رجال الشرطة
وعندما نزل (هي فوضي ؟) انتهزت اول فرصة وشاهدته وفي الحقيقة لقد خاب ظني كثيرا
لقد ظللت طوال الفيلم ابحث عن شاهين ولكني لم اجده إلافي لقطة او اثنين عدا ذلك الفيلم
كله ينسب لسينما خالد يوسف صحيح خالد يوسف هو الأبن المخلص لشاهين
ولكن كل منا حتما يختلف عن الأخر وخالد يختلف بالتأكيد في طريق اخراجه عن طريقة معلمه شاهين
الفيلم يتحدث عن حاتم امين الشرطة الذي يفرض سطوته علي اهالي المنطقة وهم
يدفعون له كل ما يطلبه من اتاوت لكي يتقون شره من ناحية ولكي ينجزلهم طلباتهم من
ناحية اخري وحاتم يمارس بلطجته هذه علي علم من رئيس المباحث والمأمور وهم
يوافقون علي هذه التجاوزات لأن حاتم يأتي لهم بشغل يعلي من اسمهم في الوزارة فالعلاقة
بينهم علاقة تبادل مصالح على الجانب الأخر يحب حاتم نور جارتهم التي تعمل مدرسة
ولكنها ترفض حبه لأنها تحب ابن ناظرة المدرسة وكيل النيابة الذي لا يشعر بحبها
فهو يحب فتاة اخري – ولكن بعد ذلك يتركها ويذهب لنور- وهذا الأمر بالطبع يقلق حاتم
الذي يخطط لاستدراج نور في يوم شم النسيم ويعتدي عليها بعد ذلك تهرب نور وتتصاعد الأحداث حتي يذهب الجميع للقسم للأنتقام من حاتم الذي ينتحر لأنه يدرك انه لن يستطيع الحصول علي نور التي لا ترى إلا وكيل النيابة
مشكلة الفيلم انه وجه كل انتقادته لحاتم رغم ان حاتم مجرد اداة في ايدي نظام كامل فاسد
إلا ان صناع الفيلم تركوا الرأس ومسكواالذيل كان المفروض علي صناع الفيلم ان يواجهوا
انتقادهم للنظام كله .. فالنظام الذي ترك حاتم يفعل كل مايفعله هو نظام فاسد والنظام
الذي يسمح بوجود اشخاص مثل رئيس المباحث ومأمور القسم هو نظام فاسد
بل ان فساد حاتم لا يذكر بجوار فساد هؤلاء الكبار
المشكلة ايضا ان الفيلم جعل الفوضي هي الحل فالجمهور يذهب إلي القسم ويقتحمه ووكيل النيابة نراه يقتحم زنزانة القسم ويفجرها بمسدسه وهذا بالطبع ليس حلا للمشكلة ..اي مشكلة ليس حلها الفوضي فالفوضى لن تؤدي إلا لمزيد من الفوضي
شيئ اخر اريد ان اقوله انني رغم المصائب التي فعلها حاتم إلا انني لم استطع ان اكرهه بل
شعرت بالتعاطف معه في بعض الأحيان فقد رأيته عاشقا حقيقيا - في زمن قل فيه الحب الحقيقي - يفعل كل شيئ من اجل حبيبته يتعذب ويسهر من اجلها ويحلم بها وبحياته معها ولكنها ترفضه وهو لم يستطع ان يستوعب رفضها له ربما لأن الجميع ينفذون اوامره .. ربما لو ان نور لم ترفض حبه لتغيرت شخصيته من يدري
شيء اخير اريد ان اتحدث عنه هو مشاهد الجنس والتعري في الفيلم اريد ان اقول انها جائت
صادمة فجة مقززة في كثير من الأحيان وهذه هي طريقة خالد يوسف في اخراجها وهذا
دليل اخر علي انه كانت له الكلمة العليا في هذا الفيلم لأن شاهين يخرج هذه المشاهد
بطريقة ناعمة سلسة هادئة لا تجرح او تؤذي مشاعرك .. انا لست ضد هذه المشاهد
فقط اتكلم عن طريقة اخراجها
بقي ان اقول ان بعض جمل السيناريو كانت فجة كما انني لم استطع ان افهم مشاهد هروب حاتم لماذا يهرب من القسم ثم يعود إليه مرة اخرى وهو يعلم ان الجميع هناك مترصد له
كما ان هناك امر صدر بالقبض عليه
شيئ اخر اريد قوله ان اداء خالد صالح كان اجمل شيئ في هذا الفيلم هوالوحيد الذي لم
يؤدي دوره بعصبية ليس لها مبررفي حين ان الجميع كان يصرخ ويصيح بدون اي داع
اريد ايضا ان اقول ان اغنية الفيلم كانت حلوة قوي ولها دور اساسي في دخولي له فتحية
كبيرة للشاعر ابراهيم عبد الفتاح والملحن ياسر عبد الرحمن والصوت المعبر ممدوح بيرم
اما شاهين فأريد ان اقول له ربنا يعطيك الصحة وتخرج لنا افلامك بنفسك وبعينك
ليس بأعين احد اخر لأنني بجد ذهبت لأراك في هذا الفيلم ولكني للأسف بحثت عنك ولم اجدك