وهذا نص المقال
إعترافات رئيس سابق
إشتريت الكتاب إعجاباً بإسمه، فنحن نادراً ما يعيش لنا رئيس سابق، و كماااان حيكتب إعترافاته و ينشرها ؟!! ليه يعنى؟! بنوك سويسرا فى الصيانة، ولا لقاها فرصة لما النور قطع عن الكرسى الكهربا ؟؟؟.
أنا طبعاً كنت عارف إن دى مجرد قصة من ضمن القصص التى يحتويها الكتاب ... و لكن الغلاف و الإسم يستحقان التحية، فكفاية إنهم خلونى لثوانى أعيش، فى الحلم، اللحظة.
و لكننى بعد ان انهيت القراءة، وجدت أن هذا الكتاب يحتوى على "ألذ" القصص القصيرة التى قرأتها مؤخراً. و قبل أن اخوض فى التحليل أكثر من ذلك، أحب أن أوضح ان تعبير "الذ" يعنى السلاسة و الإنتعاش و المتعة البسيطة ... و كأنك تتناول بطيخة مثلجة شهية فى ظهر يوم من أيام الصيف الحارة.
و هذا التعبير لا يقلل أو يسفه أبداً من نوعية الأدب التى يقدمها المؤلف فى كتابه، بالعكس ... فالقصص القصيرة فى رأيى المتواضع قد تحمل نظرة فلسفية عميقة كما مثلاً فى كتاب "ليلة الزفاف" لتوفيق الحكيم، أو تحوى دراسة تحليلية لنوعيات من البشر كما فى كتاب "زينة الحياة" لأهداف سويف ... أو، كما جاء فى هذا الكتاب، تحكى لنا مواقفاً حياتيه معينه نراها دوماً، أو نختار ألا نراها، و بالتالى لا تمثل أحداثها اى غرابه ولا تحمل نهاياتها أى مفاجأت غير متوقعه.
و لهذا يكون البطل الحقيقى لعمل قصصى ينتمى لهذا النوع الثالث هو أسلوب السرد و الحكى ... فهو ما يدفعك إلى إلتهام صفحات القصه و يجعلك "متشوقاً" لإنهاءها مع بساطة أحداثها.
مصطفى ريان صاحب أسلوب سلس للغاية، متمكن من أسلوبه و من لغته و يعى جيداً قيمة خفة دمه. و الصفة الأخيرة بالنسبة لى شخصياً بالدنيا ... فنحن لابد و أن نوظف حفة دمنا، و التى تعتبر إحدى سماتنا المميزة، فى كافة مجالات حياتنا بميزان حساس وبطريقة مدروسة حتى لا يشوبها شائبة "السطحية" أو "الهيافة"، و بدون حساسية مفرطة مبالغاً فيها تجعلنا نتعامل مع كل الأمور بتكشيرة و بعصبية ... و الدنيا أساساً مش ناقصة.
المؤلف يحكى لنا كما يحكى المرء لأصدقاءه ... و يضيف بعض البهارات على الحوار والأحداث بدون الإخلال بها، و ذلك لإبراز مناطق معينة يريد التركيز عليها.
من أول قصة أعجبنى أسلوبه، فالرجل الذى يوارى زوجته التراب صوته و غضبه زاعق من خلال الكلمات ... فواضح إنه شايل منها قوى لدرجة إنه رمى عليها اليمين و هى فى التربة أمام كل الخلق اللى جايه تعزيه فيها ... و مع نهاية القصة الواقعية القصيرة، ضحكت معه و هو يتلقى العزاء فى زوجته الثانية، و هو يشرح لنا أن "هناك فرق"، وهو إسم القصة، بين الأولانية اللى غارت و الثانية اللى قطعت بيه و رحلت.
بعدها يأخذنا فى جولة سريعة بين مواقف حياتيه عديدة، بعضها قد تقرأ عن تداعياته فى صفحة الحوادث بأى جريدة ..
فمن شاب دخله محدود يحاول ان يقاوم رغبته فى شراء عدة كتب ... و خائف من تريقة أهل بيته عليه. إلى زوج غاضب من زوجته التى تستسهل و تطلب الديليفرى
ثم نأتى إلى "بث مباشر لحياة شاب معاصر" ... و ندخل فى الجد شوية وهو يعرض لنا كم الملل و الفراغ الذى فى حياة هذا الشاب. و الذى مل حتى من النظر إلى المدونات التى يراها كجذر منعزلة يتبادل اصحابها ترك التعليقات على مدوناتهم بدون حتى النظر للمحتوى ... وهى قصة بلا نهاية واضحة، لأن النهاية فعلاً، ربنا يستر، مش معروفة.
و نغوّط شوية فى عمق المحتوى مع مصطفى فى قصة "جلسات المزاج"، و فيها نرى حجم الكبت الجنسى الذى يعانيه الذكر المصرى، و الذى يكشف لنا هذا شاب مراهق يتشارك مع والده فى مشاهدة المواقع الجنسية !! ... نعم الفكرة غريبة و لأول وهلة رفضتها ... لكنه الإسلوب يا ساده ... فالكاتب لم يركز على إقناعنا بالفكره، فهو يرى الدنيا فيها اللى أغرب من كده، و لكنه دخل فى مناقشة تداعيات هذا الكبت كما يظهر فى حوارات الإبن مع أبيه و فى تطور الأحداث بعد ذلك، و بالتالى قد تلفظ الفكره و لكنك بالتأكيد ستتواصل مع حيثياتها.
نقفز بعض القصص، لنصل إلى قصة "سارة الخنيقة" ... كلها عن دنيا التشات. تبدأ ببساطه بشاب رأى صورة فتاه فى احد المواقع فأراد أن يتصل بها ... و تنتهى بأبسط من البداية بأن البت طلعت خنيقة ... قصة قصيرة ؟ لأ ... قصة واقعية .. أيوة و أبصم بالعشرة.
ثم تتفاوت القصص فى جوها العام، فالبعض كوميدى و البعض الآخر سوداوى و لكن أحلاهم جميعاً فى رأيى تلك تتميز بالجو الرقيق الرومانسى .. و هى قصة "أغنية وردة بيضاء"، ففيها أجواء "نحنا و القمر جيران" للرائعة فيروز و التى تغلف قصة حب بين زوجان لم يستطع الموت ان يفرقهما عن بعضهما. بالعكس لقد تحديا الموت و علموه كيف يكون الحب.
فى المجمل الكتاب يحمل حكاوى زوجة مخنوقة من كثرة طلبات جوزها ... و زوج عايز اجازة من الجواز ... و شاب رايح انترفيو ... و شباب بيعاكس فى سيتى ستارز ...و خطيب عايز خطيبته تقفل المدونه بتاعتها علشان بيغير عليها ... و كيف يتحول شاب جامعى لمدرس خصوصى ... و أخيراً الحياة السرية ل Feminist و سبب عقدتها من الرجاله.
و الفقرة السابقة قد تصلح عناوين لباب الإجتماعيات، أو لجلسات نميمات، أو لحكاوى قهوات ... و لكنها مجرد عناوين تلخص محتوى قصص هذا الكتاب، مما يعنى أن الكاتب نظر للواقع و بمنتهى البساطة قال له .. هات.
نيجى بقى لآخر قصة فى الكتاب و التى تحمل عنوانه ... و التى انتظرت ان تحوى الزُبد و كريمة الكريمة، لكنها الحقيقة و للأسف اضعف قصة فى هذه السلسلة الرائعة !.
هى بدايتها حلوة ... فالمؤلف يتخيل رئيس جمهورية سابق قرر ان يشتغل شغلانه ياكل منها عيش ..
فتح مكتب سنترال و لكنه لم يتحمل رغى شعبه ..
قلبه سايبر كافيه و لكنه لم يتحمل هيافة و قلة ادب شعبه ..
سوبر ماركت ... الشعب سرقه.
دخل على كبير و فتح مصنع ألبان و نجح و صدّر ... فطمع فيه الكبار و أجبروه على بيعه.
فقرر يعتزل ... بس حلصت الحدوته !!
مش عارف ... حسيت ان الفكرة الحلوة بس خالية الدسم، قد أقبل هذه "القشور" فى التناول، لو كان الموقف حياتى و ليس خيالى، فعندها الواقع يحمل العمق الكافى بمجرد سرده كما هو ... و لكن فكرة بهذه القوة كانت تستدعى، فى رأيى، قصة أطول و اكثر عمقاً و تفاصيلاً.
من الآخر:
كتاب صيف 100 فى الـ 100 ... تقراه تحت الشمسية أو فى البلكونة ... حينعشك ويفرفشك و يسليك، و من حين لآخر قد تستعيد قراءته طلياً للمتعة و الراحة.
بالتأكيد أنا فى شوق لقراءة أعمال مصطفى ريان الأخرى، راجياً ألا تقل عن هذا الكتاب لذة.
فادى رمزى
تحديث اسكندراني